/ الفَائِدَةُ : (19) /

12/04/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / صناعة: (التَّحليل والتَّركيب)/ يُعبَّر عن آليَّة اِكتشاف الجزء المُشْتَرَك بـ : «صناعة التَّحليل والتَّركيب» ، وهي إِحْدَى الصناعات الثلاث في الْاِسْتِدْلَاَلِ الْعَقْلِيِّ ، والطُّرُق(1) للوصول إِلى البرهان، المذكورة في عِلْمِ المنطق : أَحدها: (القياس الاِقْتِرَاني) بأَشكاله الأَربعة. ثانيها: (الاِستقراء التَّام). ثالثها: (التَّحليل والتَّركيب) ؛ فعندما يُعَرَّف الإِنسان بصناعة التَّحليل والتَّركيب يُقال: هو: «جوهر، جسم حسَّاس، نامي، مُتحرِّك بالإِرادة، ناطق»، وكُلُّ هذه المعاني وغيرها مُندكَّة ومُدمجة وملفوفة في (معنیٰ) لفظة الإِنسان؛ لأَنَّ للعَقْلِ قُدْرَةً وهبتها له ومَتَّعْته بها يد السَّاحة الإِلٰهيَّة؛ علىٰ كبس المعاني الكثيرة ودمجها وصَهرِهَا في معنىٰ واحد ؛ عبر قدرة الدَّمج والتَّركيب، وله القدرة أَيضاً علىٰ تحليلها وتفكيكها ، فإِذا أَراد تحليل معناها الوحداني وتفكيكه وتفسيره فسوف يقول ـ مثلاً ـ الإِنسان: «جوهر، جسم حسَّاس، نامي، مُتحرِّك بالإِرادة، مُدْرِك للكلِّيَّات» ، فبالنَّظرة الأَوَّليَّة وإِنْ كان المعنىٰ بسيطاً ، لكنَّه بصناعة التَّحليل تصبح مَعَانٍ عديدة. وهذا المنهج يوسِّع في اِستنطاق الأَدلَّة وتحليل مفادها ومعانيها بطرقٍ أَعمق وأَغور، فلا يقتصر الاِستدلال ـ علىٰ وفق هذا المنهج ـ علىٰ الأَلفاظ المُشْتَرَكة وغيرها ، ولا علىٰ سطح المعاني ـ أَي : لا يقتصر علىٰ المعنىٰ المُتَّحِد في سطح الإِدْرَاك الأَوَّلي ـ وإِنَّما يعتمد(2) علىٰ المعنىٰ الـمُتَّحِد والمَطْوِيِّ بِخَفَاءٍ في طيَّاته معانٍ مُتعدِّدةٍ ، وهذا ـ المنهج والأُسلوب ـ يؤدِّي إِلى اِكتشاف الأَجزاء المُشْتَرَكةَ بين المعاني كنظام مُوحِّد بينها ، وهو اِكتشاف لبُنْيَان النظام في المعاني. وعليه : فَمَنْ يلتفت في أَبواب المعارف إِلى التَّرادف الْعَقْلِيِّ فسَتَتَّسِع لديه دائرة المعارف ؛ إِذ البحث والمعنىٰ لا يدور مدار اللَّفظ الواحد ، بل ولا يدور مدار المعنىٰ الفارد. وهذا المنهج في الْاِسْتِدْلَاَلِ ـ ناموس وقاموس المعرفة والمعارف ـ يأتي في كُلِّ العلوم ، كعِلْمِ : (العقائد)، و(التَّفسير)، و(الأَخلاق)، و(فقه الفروع)، وقد مارسه فحول الفقهاء ؛ فيُلاحظون ـ بعد التَّحليل علىٰ وفق الموازين الْعِلْمِيَّة ـ الأَثر والحُكْم المُنْصَبّ علىٰ الجهة المُشْتَرَكَة، فإِذا جزموا بـ : أَنَّ تلك الجهة المُشْتَرَكَة عِلَّة تامَّة لذلك الحُكْم أَو الأَثر حكموا بدوران ذلك الحُكْم أَو الأَثر وراء تلك الجهة المُشْتَرَكَة، ومن ثَمَّ أَيّنما وُجِدت تلك الجهة المُشْتَرَكَة وفي أَيِّ شأنٍ ومخلوقٍ صَبُّوا ذلك الحُكْم أَو الأَثر عليه من دون حاجةٍ إِلى دليلٍ آخر. وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) هذا عطف علىٰ كلمة (الصناعات)، فتكون العبارة كالتَّالي: (وهي إِحْدَى الطُّرُق للوصول إِلى البرهان...). (2) أَي : الْاِسْتِدْلَاَل علىٰ وفق هذا المنهج